فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{وَمنَ النَّاس مَنْ يَشْتَري لَهْوَ الْحَديث ليُضلَّ عَنْ سَبيل اللَّه بغَيْر علْمٍ}.
أخرج البيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {ومن الناس من يشتري لهو الحديث} يعني باطل الحديث. وهو النضر بن الحارث بن علقمة. اشترى أحاديث العجم وصنيعهم في دهرهم، وكان يكتب الكتب من الحيرة والشام ويكذب بالقرآن، فأعرض عنه فلم يؤمن به.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {ومن الناس من يشتري لهو الحديث} قال: شراؤه استحبابه. وبحسب المرء من الضلالة أن يختار حديث الباطل على حديث الحق. وفي قوله: {ويتخذها هزوًا} قال: يستهزىء بها ويكذبها.
وأخرج الفريابي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {ويتخذها هزوًا} قال: سبيل الله يتخذ السبيل هزوًا.
وأخرج الفريابي وابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {ومن الناس من يشتري لهو الحديث} قال: باطل الحديث. وهو الغناء ونحوه {وليضل عن سبيل الله} قال: قراءة القرآن، وذكر الله. نزلت في رجل من قريش اشترى جارية مغنية.
وأخرج جويبر عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {ومن الناس من يشتري لهو الحديث} قال: أنزلت في النضر بن الحارث. اشترى قينة فكان لا يسمع بأحد يريد الإسلام إلا انطلق به إلى قينته، فيقول: أطعميه واسقيه وغنيه، هذا خير مما يدعوك إليه محمد من الصلاة والصيام، وأن تقاتل بين يديه، فنزلت.
وأخرج سعيد بن منصور وأحمد والترمذي وابن ماجة وابن أبي الدنيا في ذم الملاهي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن أبي امامة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تبيعوا القينات، ولا تشتروهن، ولا تعلموهن، ولا خير في تجارة فيهن، وثمنهن حرام. في مثل هذا أنزلت هذه الآية {ومن الناس من يشتري لهو الحديث} إلى آخر الآية».
وأخرج ابن أبي الدنيا في ذم الملاهي وابن مردويه عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ان الله حرم القينة وبيعها وثمنها وتعليمها والاستماع إليها» ثم قرأ: {ومن الناس من يشتري لهو الحديث}.
وأخرج البخاري في الأدب المفرد وابن أبي الدنيا وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في سننه عن ابن عباس رضي الله عنهما {ومن الناس من يشتري لهو الحديث} قال: هو الغناء وأشباهه.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما {ومن الناس من يشتري لهو الحديث} قال: هو شراء المغنية.
وأخرج ابن عساكر عن مكحول رضي الله عنه في قوله: {ومن الناس من يشتري لهو الحديث} قال: الجواري الضاربات.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي الدنيا وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي الصهباء قال: سألت عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه عن قوله تعالى: {ومن الناس من يشتري لهو الحديث} قال: هو- والله- الغناء.
وأخرج ابن أبي الدنيا وابن جرير عن شعيب بن يسار قال: سألت عكرمة رضي الله عنه عن {لهو الحديث} قال: هو الغناء.
وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور وابن أبي الدنيا وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه {ومن الناس من يشتري لهو الحديث} قال: هو الغناء، وكل لعب ولهو.
وأخرج ابن أبي الدنيا من طريق حبيب بن أبي ثابت عن إبراهيم رضي الله عنه {ومن الناس من يشتري لهو الحديث} قال: هو الغناء وقال مجاهد رضي الله عنه: هو لهو الحديث.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء الخراساني رضي الله عنه {ومن الناس من يشتري لهو الحديث} قال: الغناء والباطل.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن رضي الله عنه قال: نزلت هذه الآية {ومن الناس من يشتري لهو الحديث} في الغناء والمزامير.
وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي في سننه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء الزرع، والذكر ينبت الإيمان في القلب كما ينبت الماء الزرع.
وأخرج ابن أبي الدنيا عن إبراهيم رضي الله عنه قال: كانوا يقولون: الغناء ينبت النفاق في القلب.
وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي في سننه عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل».
وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي في الشعب عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: إذا ركب الرجل الدابة ولم يسم ردفه شيطان، فقال: تغنه، فإن كان لا يحسن قال له: تمنه.
وأخرج ابن أبي الدنيا وابن مردويه عن أبي امامة رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما رفع أحد صوته بغناء إلا بعث الله إليه شيطانين يجلسان على منكبيه يضربان باعقابهما على صدره حتى يمسك».
وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي عن الشعبي عن القاسم بن محمد رضي الله عنه أنه سئل عن الغناء، فقال: أنهاك عنه، وأكرهه لك. قال السائل: أحرام هو؟ قال: انظر يا ابن أخي. إذا ميز الله الحق من الباطل في أيهما يجعل الغناء.
وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي عن الشعبي قال: لعن المغني والمغنى له.
وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي عن فضيل بن عياض قال: الغناء رقية الزنا.
وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي عن أبي عثمان الليثي قال: قال يزيد بن الوليد الناقص: يا بني أمية إياكم والغناء فإنه ينقص الحياء، ويزيد في الشهوة، ويهدم المروءة، وإنه لينوب عن الخمر، ويفعل ما يفعل السكر، فإن كنتم لابد فاعلين فجنبوه النساء، فإن الغناء داعية الزنا.
وأخرج ابن أبي الدنيا عن أبي جعفر الأموي عمر بن عبد الله قال: كتب عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه إلى مؤدب ولْده: من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى سهل مولاه:
أما بعد فإني اخترتك على علم مني لتأديب ولْدي، وصرفتهم إليك عن غيرك من مواليَّ وذوي الخاصة بي، فخذهم بالجفاء فهو أمكن لاقدامهم، وترك الصحبة فإن عادتها تكسب الغفلة، وكثرة الضحك فإن كثرته تميت القلب، وليكن أول ما يعتقدون من أدبك بغض الملاهي التي بدؤها من الشيطان، وعاقبتها سخط الرحمن، فإنه بلغني عن الثقات من حملة العلم إن حضور المعازف، واستماع الأغاني، واللهج بهما ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء العشب، ولعمري ولتوقي ذلك بترك حضور تلك المواطن أيسر على ذوي الذهن من الثبوت على النفاق في قلبه، وهو حين يفارقها لا يعتقد مما سمعت أذناه على شيء ينتفع به، وليفتح كل غلام منهم بجزئه من القرآن يثبت في قراءته، فإذا فرغ منه تناول قوسه وكنانته وخرج إلى الغرض حافيًا، فرمى سبعة ارشاق ثم انصرف إلى القائلة، فإن ابن مسعود رضي الله عنه كان يقول: يا بني قيلوا فإن الشياطين لا تقيل والسلام.
وأخرج ابن أبي الدنيا عن رافع بن حفص المدني قال: أربع لا ينظر الله إليهن يوم القيامة. الساحرة. والنائحة. والمغنية. والمرأة مع المرأة. وقال: من أدرك ذلك الزمان فأولى به طول الحزن.
وأخرج ابن أبي الدنيا عن علي بن الحسين رضي الله عنه قال: ما قدّست أمة فيها البربط.
وأخرج ابن أبي الدنيا عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنما نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين: صوت عند نغمة لهو ولعب، ومزامير شيطان، وصوت عند مصيبة: خدش وجوه، وشق جيوب، ورنة شيطان».
وأخرج ابن أبي الدنيا عن الحسن رضي الله تعالى عنه قال: صوتان ملعونان. مزمار عند نغمة. ورنة عند مصيبة.
وأخرج ابن أبي الدنيا عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال: أخبث الكسب كسب الزمارة.
وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي عن نافع قال: كنت أسير مع عبد الله بن عمر رضي الله عنهما في طريق، فسمع زمارة راع، فوضع أصبعيه في أذنيه، ثم عدل عن الطريق، فلم يزل يقول: يا نافع أتسمع؟ قلت: لا. فأخرج أصبعيه من أذنيه وقال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صنع.
وأخرج ابن مردويه عن عبد الله بن عمر أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم قال: في هذه الآية {ومن الناس من يشتري لهو الحديث} «إنما ذلك شراء الرجل اللعب والباطل».
وأخرج الحاكم في الكنى عن عطاء الخراساني رضي الله عنه قال: نزلت هذه الآية {ومن الناس من يشتري لهو الحديث} في الغناء والباطل والمزامير.
وأخرج آدم وابن جرير والبيهقي في سننه عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {ومن الناس من يشتري لهو الحديث} قال: هو اشتراؤه المغني والمغنية بالمال الكثير، والاستماع إليه وإلى مثله من الباطل.
وأخرج البيهقي في الشعب عن ابن مسعود رضي الله عنه في قوله: {ومن الناس من يشتري لهو الحديث} قال: هو رجل يشتري جارية تغنيه ليلًا أو نهارًا.
{وَإذَا تُتْلَى عَلَيْه آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ في أُذُنَيْه وَقْرًا فَبَشّرْهُ بعَذَابٍ أَليمٍ (7)}.
أخرج ابن أبي الدنيا عن قتادة رضي الله عنه {وإذا تتلى عليه آياتنا ولى مستكبرًا} قال: مكذبًا بها.
وأخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله: {وقرًا} قال: ثقلًا. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{وَمنَ النَّاس مَنْ يَشْتَري لَهْوَ الْحَديث ليُضلَّ عَنْ سَبيل اللَّه بغَيْر علْمٍ}.
{لَهْوَ الْحَديث} ما يشغل عن ذكر الله، ويَحْجُبُ عن اللَّه سماعُه. ويقال: هو لَغْوُ الظاهر الموجبُ سَهْوَ الضمائر، وهو ما يكون خَوضًا في الباطل، وأخذًا بما لا يعنيك.
{وَإذَا تُتْلَى عَلَيْه آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ في أُذُنَيْه وَقْرًا فَبَشّرْهُ بعَذَابٍ أَليمٍ (7)}.
المُفْتَرقُ بهَمّه، والمُتَشتّتُ بقلبه لا تزيده كثرةُ الوعظ إلا نفورًا ونُبُوًَّا؛ فسماعُه كَلاَ سماع، ووعظه هباءٌ وضياع، كما قيل:
إذا أنا عاتَبْتُ الملولَ فإنما ** أُخُطُّ بأقلامي على الماء أحرُفا

اهـ.

.تفسير الآيات (8- 11):

قوله تعالى: {إنَّ الَّذينَ آمَنُوا وَعَملُوا الصَّالحَات لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعيم (8) خَالدينَ فيهَا وَعْدَ اللَّه حَقًّا وَهُوَ الْعَزيزُ الْحَكيمُ (9) خَلَقَ السَّمَاوَات بغَيْر عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى في الْأَرْض رَوَاسيَ أَنْ تَميدَ بكُمْ وَبَثَّ فيهَا منْ كُلّ دَابَّةٍ وَأَنْزَلْنَا منَ السَّمَاء مَاءً فَأَنْبَتْنَا فيهَا منْ كُلّ زَوْجٍ كَريمٍ (10) هَذَا خَلْقُ اللَّه فَأَرُوني مَاذَا خَلَقَ الَّذينَ منْ دُونه بَل الظَّالمُونَ في ضَلَالٍ مُبينٍ (11)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كانت معرفة ما لأحد الجزءين باعثة على السؤال عما للحزب الآخر، وكانت إجابة السؤال عن ذلك من أتم الحكمة، استأنف تعالى قوله مؤكدًا لأجل إنكار الكفرة: {إن الذين آمنوا} أو اوجدوا الإيمان {وعملوا} أي تصديقًا له {الصالحات} وضعًا للشيء في محله عملًا بالحكمة {لهم جنات} أي بساتين {النعيم} فأفاد سبحانه بإضافتها إليه أنه لا كدر فيها أصلًا ولا شيء غير النعيم.
ولما كان ذلك قد لا يكون دائمًا.
وكان لا سرور بشيء منقطع قال: {خالدين فيها} أي دائمًا.
ولما كانت الثقة بالوعد على قدر الثقة بالواعد، وكان إنجاز الوعد من الحكمة، قال مؤكدًا لمضمون الوعد بالجنات: {وعد الله} الذي لا شيء أجل منه؛ فلا وعد أصدق من وعده، ثم أكده بقوله: {حقًا} أي ثابتًا ثباتًا لا شيء مثله، لأنه وعد من لا شيء مثله ولا كفوء له.
ولما كان النفس الغريب جديرًا بالتأكيد، أتى بصفتين مما أفهمه الإتيان بالجلالة تصريحًا بهما تأكيدًا لأن هذا لابد منه فقال: {وهو} أي وعد بذلك والحال أنه {العزيز} فلا يغلبه شيء {الحكيم} أي المحكم لما يقوله ويفعله، فلا يستطاع نقضه ولا نقصه.
ولما ختم بصفتي العزة- وهي غاية القدرة- والحكمة- وهي ثمرة العلم- دل عليها باتقان أفعاله وإحكامها فقال: {خلق السماوات} أي على علوها وكبرها وضخامتها {بغير عمد} وقوله: {ترونها} دال على الحكمة، إن قلنا إنه صفة لعمد أو استئناف، إما أن قلنا بالثاني فلكون مثل هذا الخلق الكبير الواسع يحمل بمحض القدرة، وإن قلنا بالأول فتركيب مثله على عمد تكون في العادة حاملة له وهي مع ذلك بحيث لا ترى أدخل في الحكمة وأدق في اللطافة والعظمة، لأنه يحتاج إلى عملين: تخفيف الكثيف وتقوية اللطيف.
ولما ذكر العمد المقلة، اتبعه الأوتاد المقرة فقال: {وألقى في الأرض} أي التي أنتم عليها، جبالًا {رواسي} والعجب من فوقها وجميع الرواسي التي تعرفونها تكون من تحت، تثبتها عن {أن تميد} أي تتمايل مضطربة {بكم} كما هو شأن ما على ظهر الماء.
ولا ذكر إيجادها وإصلاحها للاستقرار.
ذكر ما خلقت له من الحيوان فقال: {وبث فيها} أي فرق {من كل دابة} ولما ذكر ذلك ذكر ما يعيش به، فقال منبهًا لمظهر العظمة على أن ذلك وإن كان لهم في بعضه تسبب لا يقدر عليه إلا هو سبحانه: {وأنزلنا} أي بما لنا من العزة اللازمة للقدرة، وقدم ما لا قدرة لمخلوق عليه بوجه فقال: {من السماء ماء} ولما تسبب عن ذلك تدبير الأقوات، وكان من آثار الحكمة التابعة للعمل، دل عليه بقوله: {فأنبتنا} أي بما لنا من العلو في الحكمة {فيها} أي الأرض بخلط الماء بترابها {من كل زوج} أي صنف من النبات متشابه {كريم} بما له من البهجة والنضرة الجالبة للسرور والمنفعة والكثرة الحافظة لتلك الدواب.
ولما ثبت بهذا الخلق العظيم على هذا الوجه المحكم عزته وحكمته، ثبتت ألوهيته فألزمهم وجوب توحيده في العبادة كما توحد بالخلق، لأن ذلك عين الحكمة، كما كان خلقه لهذا الخلق على هذا النظام ليدل عليه سبحانه سر الحكمة، فقال ملقنًا للمحسنين من حزبه ما ينبهون به المخالفين موبخًا لهم مقبحًا لحالهم في عدو لهم عنه مع علمهم بما له من التفرد بهذه الصنائع: {هذا} أي الذي تشاهدونه كله {خلق الله} أي الذي له جميع العظمة فلا كفوء له.
ولما كان العاقل بل وغيره لا ينقاد لشيء إلا أن رأى له فعلًا يوجب الانقياد له، نبه على ذلك بقوله جوابًا لما تقديره: فإن ادعيتم لما دونه مما عبدتموه من دونه خلقًا عبدتموه لأجله: {فأروني ماذا خلق الذين} زاد اسم الإشارة زيادة في التقريع بتأكيد النفي المقصود من الكلام، ونبه على سفول رتبتهم بقوله مضمرًا لأنه ليس فيما أسند إلى الاسم الأعظم حيثية يخشى من التقييد بها نقص: {من دونه} فسأله في رؤية ما خلقوا غبنه أحد أصلًا بأن انقدتم لما لا ينقاد له حيوان فضلًا عن إنسان بكونه لا فعل له أصلًا، فكان من حقكم- إن كانت لكم عقول- أن تبحثوا اولًا هل لهم أفعال أم لا؟ ثم إذا ثبت فهل هي محكمة أم لا، ثم إذا ثبت فهل شاركهم غيرهم أم لا، وإذا ثبت أن غيرهم شاركهم فأيهما أحكم وأما أنكم تنقادون لهم ولا فعل لهم أصلًا ثم تقدرون أن لهم أفعالًا ترجونهم بها وتخشونهم، فهذا ما لا يتصوره حيوان أصلًا، ولذلك قال تعالى: {بل} منبهًا على أن الجواب: ليس لهم خلق، بل عبدتهم أو أنتم في جعلهم شركاء، هكذا كان الأصل، ولكنه قال: {الظالمون} أي العريقون في الظلم، تعميمًا وتنبيهًا على الوصف الذي أوجب لهم كونهم {في ضلال} عظيم جدًا محيط بهم {مبين} أي في غاية الوضوح، وهو كونهم يضعون الأشياء عنهم بجبال الهوى فلا حكمة لهم. اهـ.